الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليهن، وجعل بيننا وبينهن مودة ورحمة، وجعل الله -سبحانه وتعالى- من الرجل والمرأة خلقه، فخلقنا من نفسٍ واحدة،
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء
سورة النساء 1،
وجاء هذا الشرع بالإحسان بين الزوجين، والمعاشرة بالمعروف، والله عليم -سبحانه وتعالى- يعلم بأنه يكون بين الأزواج والزوجات من الخلافات، وأن بعض البيوت تنهار على من فيها، ويكون من جراء ذلك الويلات، وهذه طبيعة النفس البشرية، فيها ظلم وجهل وبغي وعدوان، وفيها أخذ حقوقها والتقصير في حقوق الغير، فأمر الله تعالى كلاً من الزوجين بالوفاء للآخر بالحقوق، وأمر أن تكون المعاشرة بينهم بالمعروف، وفراق ما بين الزوجين انهيار للأسرة وضياع للأولاد، وسبب للتعاسة والأمراض النفسية وتقطيع الأواصر، وتكريس الخلافات بين الأسر والعوائل، ولما ذكر الله تعالى في سورة النساء قوامة الرجال على النساء، وأن الرجل القائد والأمير، وأنه السيد بما فضله الله من العقل وقوة الجسد من الأمور الوهبية، وقيامه بالنفقة وقدرته على تحصيل الرزق من الأمور الكسبية، فإنه -عز وجل- ذكر أوصاف النساء الصالحات بعد ذكر وظائف الرجال
،الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ .النساء:34
قال بعدها
فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ.النساء:34
فهذا القسم الأول من النساء، المطيعات الصالحات.
تفسير آية نشوز المرأة
ذكر القسم الثاني بعده فقال وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ وهن العاصيات المتمردات وذكر كيفية التعامل مع هذا النوع، فأثنى على المطلوب، فقال فَالصَّالِحَاتُ العاملات بالخير المراعيات حق الله ثم حق الأزواج، القانتات المطيعات لله ثم للأزواج، الحافظات للسر الذي بينهن وبين أزواجهن، لا يطلعن أحداً عليه، ولا يفشنه لأقرب الناس إليهم، يحفظن أعراضهن في غياب الأزواج، ويحفظن كذلك بيت الزوج وماله أثناء غيابه، هؤلاء النسوة خير النساء، (خيرُ النساء امرأةٌ إذا نظرتَ إليها سرَّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) .
وهذه التي يبحث عنها في الزواج تحفظ بيته وسره وماله، تطيع ربها وتطيع زوجها،
ثم يأتي القسم الثاني وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ أي : تمردهن، فكيف يُخاف ذلك ؟ برؤية الأمارات الدالة عليه، تخافون : تظنون أو تتيقنون، والنشوز هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هي العاصية لزوجها، الرافعة لنفسها عليه تكبراً، المتعالية، المستعصية عليه، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له، إذا دعاها لم تجب، وإذا خاطبها لم تخضع، ترفع صوتها عليه، وتتأبى عندما يناديها إلى فراشه، أو تخرج من بيته بغير إذنه وتؤذيه بالقول والفعل، أو تكون مسترجلةً تعمل أعمال الرجال، هذا بعض ما ذكره المفسرون والفقهاء في الزوجة الناشز، وقد تغتر بجمالها أو حسبها أو مالها، فيؤدي ذلك إلى الاستعلاء على الزوج والتكبر عليه وهذا هو النشوز .
بيّن -عز وجل- بهذا أن النشوز حرام، وبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عظم حق الزوج، والنشوز محرم لأنه يولد الشحناء والبغضاء، ويوجب النفور ويقسّي النفوس، ويلحق البلاء بالطرفين، ويؤدي إلى ضياع الأولاد ووجود القدوة السيئة بينهم، فما هو الحل الإلهي والتصرف الشرعي عندما توجد مثل هذه الحال؟
http://basmetaml.com/?p=2483