كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد» .
ومن رحمة الله تعالى وحكمته: أن جعل لكل غاية يحبها ويرضاها وسيلة توصل إليها، وقد جعل تعالى لأشرف الغايات وأعلاها – وهي القرب منه وبلوغ مرضاته – جعل لها وسائل، وهي الإيمان والأعمال الصالحة التي شرعها لعباده وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم .
بل إن الإسلام بعقائده وأحكامه كلها تحقق مرضاة الله تعالى والقرب منه؛
قال تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “ [المائدة: 35] .
والمعنى في قوله : ” وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ “ أي : اطلبوا العمل الصالح متوسلين به إليه تعالى، وهو سائر القرب التي يتقرب بها العبد إلى ربه؛ ليظفر بحبه ومرضاته والقرب منه .
إلا أن الأعمال الصالحة التي جاءت بها الشريعة ليست كلها في مرتبة واحدة في الفضل والحب عند الله تعالى، وإن كان الأصل فيها كلها أن الله يحبها ويرضاها، ولكن لها مراتب تتفاوت من جهة محبة الله تعالى؛ فبعضها أفضل عند الله تعالى من بعض؛ فمن العمل ما هو مفضول، ومنه الفاضل، ومنه الأفضل، ولذلك درجات ومنازل لا تحصى .
والناس يتفاوتون في سلوكهم هذه الأعمال كل بحسب توفيق الله تعالى له أولاً، ثم بحسب قوة معرفته بالله تعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله، وبحسب معرفته بفضائل الأعمال المشروعة وأوقاتها المشروعة فيها والمنهية عنها؛ حيث إن العمل الصالح يتفاضل عند الله تعالى من جهة جنس العمل نفسه، فيحبه الله تعالى لعظمته عنده أكثر من غيره؛ كالإيمان مثلاً، والصلاة وغيرها، وكذلك يتفاضل من جهة الوقت الذي يؤدي فيه العمل :
فقد يكون أداء العمل المفضول في وقته المشروع فيه أفضل وأحب عند الله من أداء العمل الفاضل في ذلك الوقت؛ مثلا : الترديد مع المؤذن وقت الأذان أفضل من قراءة القرآن في ذلك الوقت، مع أنه عند الإطلاق قراءة القرآن أفضل أنواع الذكر .
وقد يحب الله تعالى العمل أكثر من غيره؛ لكون نفعه وأثره متعديًا للغير؛ كصلة الرحم، والدعوة إلي الله تعالى، والصدقة .
ويوضح هذا المعنى الإمامان الجليلان ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله تعالى – أوضح بيان : فيقول ابن تيمية– من «مجموع الفتاوى» (22/308) :
«بعض العلماء يقول : كتابة الحديث أفضل من الصلاة النافلة، وبعض الشيوخ يقول : ركعتان أصليهما بالليل حيث لا يراني أحد أفضل من كتابة مائة حديث، وآخر من الأئمة يقول : بل الأفضل فعل هذا وهذا، والأفضل يتنوع بتنوع أحوال الناس؛ فمن الأعمال ما يكون جنسه أفضل ثم يكون تارة مرجوحًا أو منهيًّا عنه كالصلاة؛ فإنها أفضل من قراءة القرآن، وقراءة القرآن أفضل الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، ثم الصلاة في أوقات النهي؛ كما بعد الفجر والعصر ووقت الخطبة؛ منهي عنها، والاشتغال حينئذ إما بقراءة أو ذكر أو دعاءٍ أو استماع أفضلُ من ذلك» .
وننقل كلام ابن القيم – رحمه الله تعالى – باختصار من كتاب «مدارج السالكين» في إيضاح هذا الفقه البعيد في العبادة؛ فيقول : «فالأفضلُ في كل وقت وحال : إيثارُ مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه , وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق، والأصنافُ قبلهم أهل التعبُّد المقيَّد؛ فمتى خرج أحدهم
للمتابعة
http://basmetaml.com/?p=2491